بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 30 يونيو 2018

وجع المكان .. هاني الشوبكي

وجع المكان ...........
كما هو .. اعتاد أن يسلك نفس الطريق منذ سنوات عديدة .. و لكن هذه المرة بعد غياب طال سنوات توقف فجأة وسط الطريق .. عندما مر بمنزل حبيبته التي تمثل عشق عمره كله .. فهي كانت الحب الأول و الأخير في قلبه ... توقف للحظات عندما استفزته ذاكرته برائحة المكان .. أحس و كأن جدران البيت تناديه .. و كأن الأمس لم يمضي .. و أنها ما زالت تنتظره في شرفتها لكي تراه عندما يمر من هنا كل ليلة ... برغم تغير ملامح الطريق و الشارع .. إلا أن صورة الشارع القديمة ثابتة  في أعماق ذاكرته ... توقف عند البيت مد يده يتحسس جدرانه ... و يتذكر خط يده عندما كان يكتب على الجدران كلمات و طلاسم حب لكي تراها حبيبته في الصباح .. فتقوم هي الأخرى بالرد عليه بكتابة كلمات و طلاسم ... و كأن جدران البيت كانت بمثابة ساعي البريد بينهما ... تذكر وردة حالمة ألقتها له يوما من نافذتها .. فوضعها بين أحضان كتاب ... أخذ يحدث نفسه .. نعم هذا هو المكان .. رأيتها أول مرة هنا .. و اختلست أول لقاء لنا هنا .. هنا ضحكنا و تبسمنا.. هنا أمسكت يديها لأول مرة .. و هنا أيضا افترقنا ... ظل يحدث نفسه كثيرا .. و تمنى لو يضع لنفسه قبر هنا يدفن فيه .. فروحه البائسة ما زالت متعلقة بالمكان ... و في وسط هذا الصخب من حديثه مع نفسه و صرخات ذاكرته ... رأى طفلة صغيرة تخرج من المنزل .. اقترب منها في هدوء و أمسك  بيديها و سألها عن اسمها .. فأجابته .. ظل متأمل في ملامحها و يقول إنها هي نفس الملامح و نفس الروح و تمنى لو احتضنها كثيرا .. لقد عرف إنها ابنتها ..  فترك يديها و كأنه استسلم لواقع أمام عينيه ... و نظر نظرة حائرة للنافذة لعل أمها تطل منها و تنادي ابنتها ... ظل ينتظر و يترقب رؤيتها بكل لهفة ... و لكنها لم تخرج ... استيقظ من غيبوبة ذاكرته و المشهد الدرامي الذي نسجه في لحظات قليلة ... و أيقن أنها لن تأتي و أن الوقت تغير و كل شئ تغير ... لم يتبقى سوى المكان .. الذي ما زال يراود ذاكرته الحالمة كلما مر من هنا ... فرحل كفارس أعزل مهزوم ... هزمته الأيام و جراح الفراق الألم .....  ياه لهذا الوجع .. الذي يختلج صدورنا كلما مررنا من مكان ما كانت لنا فيه ذكرى ... ياه لهذا الألم الذي يرافقنا دوما عندما نتذكر شخص ما في نفس المكان ... للمكان وجع لن يشعر به سوى أصحابه .. فالذكرى ليست بالأشخاص فقط بل مرتبطة بكل شئ خاصة الأماكن ... لكل مكان ذكرى ... قد يرحل الأشخاص و لكن تبقى الأماكن و الأشياء التي تسكنها روحهم ... نعم إنه وجع المكان عندما تخرج منا آه .. تقتل لذة الحياة في أعيننا .. كلما رأينا المكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق